الغربه في اعماق النفس
=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
الانسان لديه غريزة الانتماء ، فهوكائن منتمي بطبعه ، والانسان لابد له من ان ينتمي ،،،،، لكنني لست انسانا ، لذلك فانا (( اللامنتمي )) .
الانسان كائن غريب ، فهو جاء الي هذا الكوكب ، او قل هذه الدنيا ، من عالم غريب ، وهو الان يعيش ويقيم في عالم غريب ، والدليل ان هناك ملايين الاسرار التي لايعرف عنها شيئا ، وهو يسير الي مصيرغريب ، وهو لايعرف عن مصيره بعد الموت ، الا الشئ القليل .
قبل مجيئنا الي هذا العالم جئنا من عالم غريب ، ونحن الان في عالم غريب وغريب ، ونسير بعد الموت الي مصير اشد غرابه ، غربتنا في هذا العالم ندركها ونعيها ، وغربتنا في عالم ماقبلنا ومابعد موتنا لاندركها ولانعيها . فهي الغربه باوضح معانيها واكثرها جلاءا .
في اعماق كل منا ، شعور خفي ، لايستشعره الا القليلين ، وان كان يشعر به كل انسان ، هذا الشعور هو الشعور باننا غرباء عن هذه الارض ، والدليل ان مغادرتنا لها امر حتمي لامناص منه ولامفر ، فان الانسان ان تمكن من كل شئ ، أي شئ ، فانه لايمكن له الايموت ، فالانسان كائن ميت بطبعه .
ولاننا غرباء ، ولاننا لسنا اصحاب الارض الاصليين ، لذلك كانت المغادره والهجران لها حتميا حتميا لامفر له ولامناص ، وليس له بديل ، ان مغادرتنا لهذه الدنيا انما هي مغادرة الغريب للمكان الغريب عنه ، وعوده الي حيث كنا قبل مجيئنا ، بل وربما الي مكان اخر ، لاندري ماهو ، غير المكان اللذي كنا نقبع فيه ، قبل مجيئنا .
الشعور بالغربه ، سواء ادركناه بداخلنا ام لم ندركه فهو قابع فينا لامحاله وفي نفوسنا يقيم ، الغالبيه العظمي من الناس تتجاهله بامور لاتحصي ولاتعد ، والانسان دائما يتسلي ويتلهي ويتشاغل عن شعوره الداخلي بالغربه ، يتسلون عن الشعور بالغربه بواسطة التسالي ووسائل الترفيه ، والاعمال والانشغالات التافهه والجاده .
ان اقسي وامر انواع الغربه هو ان تعيش بجسمك وسلوكك وظاهرك في بيئه ومجتمع تمقته وتكرهه كل الكره ، وترفضه ولاتريده بداخلك ، تعيش فيه مرغما بسلوكك ، وفي داخلك تضطرم نيران الرفض والشعور بالغربه والعجز والاحباط والياس والعذاب المرير ، في داخلك غريب وفي ظاهرك الكاذب انت بين اهلك ، هذا الشعور الداخلي بالغربه هو حقيقتنا وان كتمناه ولم نتصرف به ، واننا مهما تصرفنا بسلوكنا علي اننا منتمين لمجتمعاتنا فان تصرفاتنا هذه مقرفه ومزعجه ولانريدها ، وان كانت ترضي الاخرين والمجتمع والبيئه المحيطة بنا .
انه لبلاء مبين ان تكون عواطفك ومشاعرك واحاسيسك وعالمك الداخلي ، يميل ويهفو ويتحرق الي عالم وبيئه اجتماعيه ، غير تلك البيئه التي وقع جسمك وسلوكك اسيرا لها ، لايملك منها فكاكا ولاتسمح لك بمغادرتها او الذهاب عنها .
وضع الانسان (( المذهبيه )) والقولبة الفكريه ، لانه بحاجه لعلاج هذا الشعور الرهيب بالغربه ، انه يبحث عن الانتماء ، وتحدث الصدمه الرهيبه ، التي يصعب ان يدركها الانسان او ان يعيها ، عندما يكتشف انه قد انتمي الي ماليس منه بشئ ، فتكون الصحوه موجعه مؤلمه .
لان الانسان غريب في اعماقه ، فانه اكتشف المذهبيه ، لانه بحاجه لان يشعر بان هناك ماينتمي اليه ، لعل المذاهب تخفف عنه وطاة وشدة حرقة الغربه وعنفها .
وانا ، انتميت الي ماانا منتمي اليه ظاهريا ، بالقوه والضغط والاجبار ، فبداخلي في اعماقي ، في نفسي ، انا انتمي الي عالم خاص بي ، وبحكم القوي الغاشمه المدمره التي تحيط بي من كل صوب وحدب ، انتميت مرغما ، امام اعين الاخرين ، الي عالم ليس مني بشئ ولست منه بشئ .
لااكره شيئا ، ولايزعجني شئ ، قدر ان اكون مجبرا علي الالتزام بامر ما ، يفرضه علي العالم الخارجي ، ايا كانت هذه الجهه او القوي التي تفرض هذا الامر علي وعلي نفسي المسكينه .
لايذبحني شئ ، ويكون لي بمثابة السكين الحاد ، وهل يرحم السكين رقبة الذبيحه ، هل يترك السكين لذته بالذبح ، ابدا ابدا ، قدر ان اكون ملزما بالتوجه وجهة معينه ، والسير في قالب محدد يحدده لي الاخرين والقوي الخارجيه الضاغطه ، تلك القوي الظالمه الغاشمه التي حطمت نفسي ودمرت جسمي وهدمت كياني .
اريد ان التزم بما احب انا واريد ان التزم به ، واريد ان اتوجه الوجهة التي انا اعشق ان اتوجه اليها ،، ولكن آآآآآآآآآه .
لاجدوي ........
واريد ان اقولب نفسي بالقالب اللذي احب ان اقولب نفسي به ،، ولكنني ،،، اريد الا انني لااستطيع .
رغم انني بين اهلي وناسي وجيراني ، الا انني لااعرف احدا منهم وليس من احد منهم يعرفني ، يعرفونني من الخارج ولايعرفني احد من الداخل ، والغربه في داخلي تقيم ، واللذين اريدهم واشعر معهم بالالفه والمحبه والانتماء ، اللذين ينتفي معهم وبينهم الشعور بالضياع والاغتراب ، بعيدين عني كل البعد ، واراضيهم عني بعيده ولاتساعدني اقدامي علي السير اليهم ، ولايدي تصل اليهم ولاهم يصلونني ، فلااملك الا الشوق والحنين وهي ورود وازهار تنبت في ارض الغربه والاغتراب .
يجبرني (( الاخرين )) و (( القوي الضاغطه )) علي ان اقول واتكلم ، بما لااريد ان اقوله واتكلم به ، ولايسمحون لي ان اقول مااحب ومااريد ان اقوله وان اتكلم به .
يجبرني (( الاخرين )) و (( القوي الضاغطه )) ، ان افعل واعمل ، مالااريد القيام به من اعمال وافعال ، ولايسمحون لي بان اقوم بالاعمال التي اريد ان اقوم بها واحب القيام بها .
فالاخرين هم الجحيم ،، الاخرين هم السد الناري والجدار الصلب ، هم العقبه ، و اين الحريه ؟؟؟؟.
السنتهم نار ، وعيونهم نار ، وظلمهم نار ، وتربصهم نار ، فالاخرين هم النار وهم الشوك تحت الاقدام ، وكلامهم سم العقارب اللذي ينغرز في اعماقنا .
الاخرين هم السجن والحبس ، وهم القيود في ايدينا والاغلال في اعناقنا والسلاسل في اقدامنا ، وهم الشلل اللذي يعيقنا عن ان نفعل مانريده .
لحسن الحظ ان عيون الاخرين عمياء عما بداخلنا ، لاتري مافي اعماقنا .
اين الحريه ، وانا مسلوب الاراده ، مكسور الجناح ، يحركني الاخرين والقوي الضاغطه ، ضعيف الشخصيه ، مهزوم في نفسي امام نفسي ، عديم او قليل الثقه في النفس ، عاجز تماما تماما ، عن مواجهة (( الاخرين )) و (( القوي الضاغطه )) ، مستسلم امام المجتمع ، والسنة الاخرين الحاده ، التي يشحذونها باستمرار علي رقبتي ، والسنة الاخرين ، رغم انها هي حامية المجتمع وحامية الفضيله المزعومه الموهومه ، فضيلة العلن التي تتحول الي رذيله في داخل النفس وفي الخفاء بعيدا عن عيون الناس ، بعيدا عن عيون الداعين لها ، عن عيون بعضهم البعض ، هذه الالسنه الحاميه للمجتمع الاسود البائس ، هي التي تتربص وتترصد لي ، تنتظر مني اية هفوه ، فهي حاده وعطشانه للدم وللذبح وللجز ، واحيانا تذبحني دون ذنب او غلطه او حتي هفوه ، فهي تذبح بطبعها ، وتتلذذ بدمي والامي وعذابي واوجاعي واهاتي وامراضي .
مسموح لي فقط ان اتالم وان اعاني وان اتعذب ، لكن ، بصمت ، ودون كلام ودون بوح اوشكوي او تذمر .
يطعمونني المر والعلقم ، ويحرمونني العسل اللذيذ ، يعرضون لي افخر انواع السجاد الناعم الاملس ، ويقولون لي هيا امش وقف علي الشوك ، وعلي الواح خشب يابس ، تملؤها المسامير ، يعرضون لي اعذب والذ انواع الماء ، ويقولون لي ، ان الماء شربه ممنوع ، يعايرونني بالعار ،وهم بهم من العار مايخجل منه الحيوان .
يتحدونني لانهم يدركون ويعرفون ضعفي ، وعن اعدائهم ومع اعدائهم ، فما احلاهم .......
الغربه في داخلي ، تسكن في اعماقي ، اشعر بها اتلمسها ، اتحسسها .
جاء الانسان الي هذه الدنيا ، معدوم الحريه ، وكيف يكون حرا ، وهو جاء وولد رغما عنه ولاارادة له في وجوده ، ولاارادة له في اختيار والديه واهله وبيئته وظروفه ووضعه ، ويعيش رغما عنه تحكمه الظروف والمجتمع والقوانين والعقبات والنفس الخفيه ، ولايد له في مصيره ، ويموت دون اراده او راي او اختيار ، حتي من انتحر وقتل نفسه فانه لم يكون مخيرا ، وانما اجبرته الظروف علي الانتحار ، فماللذي يختاره الانسان .
الانسان ، في هذه الدنيا ، مثله مثل ريشه ، صغيره مسكينه ضعيفه ، في مهب العواصف والاعاصير العاتيه التي لارحمة فيها ولاعطف ولاشفقه .
لست رساما ، ولو كنت رساما واردت ان اعبر عن حال الانسان في هذه الدنيا ، لرسمت ريشه في مهب الاعاصير والرياح والعواصف ، انه الانسان .